ومضات من دور السيدة زينب (عليها السلام) في واقعة الطف

ومضات من دور السيدة زينب (عليها السلام) في واقعة الطف

 بقلم: الأستاذ الدكتور رحيم حلو محمد البهادلي

   أن جميع ما قامت فيه السيدة زينب (عليها السلام) من دور بطولي في واقعة الطف قد يجعلنا نكتفي بالقول أن المرأة أدت ما عليها مندور مشرف بل وفوق طاقتها ، فلا نعلم عبر التاريخ أن امرأة أدت هذا الدور كما أدته السيدة زينب

 (عليها السلام ) في مثل هكذا موقف ،وأنها تستحق وفق تلك الرؤية للأحداث آن نقول عنها أنها لعبت دورا كبيرا في ثورة أخيها الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فكانت خير أنيس، كانت أفضل رفيق ، كانت خير مدافع وأمين اؤتمن على 

ابن أخيها الإمام السجاد ( عليه السلام ) ذلك الرجل المريض يومذاك ، وعلى سباياالعلويين . ولكن واقع الأحداث بعد انتهاء المعركة  يشير أن السيدة زينب ( عليها السلام ) لم تتوقف عند هذا الحد فحسب ، إنما يمكن القولأن السيدة زينب

(عليها السلام ) بدأت حقا من حيث استشهد الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، بدأت حقا لتكمل ما بدئه الحسين ( عليهالسلام ) ، فما استشهاد الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلا كان بداية الدور الحقيقي للسيدة زينب ( عليها السلام ) في تلك 

الثورة الحسينيةالمقدسة .

      أن الثورة الحسينية لم تنتهي باستشهاد الإمام الحسين ( عليه السلام ) في ساحة المعركة ، إنما بدأت حقا باستشهاده ( عليه السلام ) ، فقد خرجت من بعد استشهاده الكثير من مناصريه وشيعته وال بيته ممن كان يطالب بدمه أو 

الاقتصاص من قتلته كثورة المختار بن أبيعبيد الثقفي مثلا ، أو أن ثورته المقدسة أصبحت شعارا لكل من كان يريد النيل من الدولة الأموية ، فكانت ثورات كثيرة جدا ومنها الثورةالعباسية التي كانت ترفع شعار الرضا من آل محمد ، 

تلك الثورات والحركات كانت السبب الرئيسي في تصدع الدولة الأموية وسقوطهاالمبكر عام 132 هـ من قبل العباسين ، آو بمعنى أخر لولا ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام )  لما سقطت تلك الدولة وبتلك السرعة الفائقة .

      وقد لا نغالي حينما نقول أن السيدة زينب ( عليها السلام ) كانت أول من بدأت ذلك الدور الجهادي ضد الأمويين بعد استشهاد الإمامالحسين ( عليه السلام ) وسار الناس من بعدها على هذا المنوال ، ولكنها لم تكن تحارب بسيف أو 

رمح أو نبل إنما كانت المرأة تقاتل بلسانهاوفصاحتها العلوية الهاشمية المعروفة ، وهو سلاح برأيي أكثر قوة من استخدام السيف ، فحينما دخل بهم إلى الكوفة مقر الوالي الأمويعبيد الله بن زياد ، لم تدخل السيدة زينب ( عليها السلام ) 

مدخل الذل والهوان وحاشا تلك المرأة العلوية الطاهرة من الذل والهوان ، فما أندخلت الكوفة وصف لنا رجلا من أهلا الكوفة يدعى بشير بن خزيم الاسدي شأن السيدة زينب ( عليها السلام ) قائلا: " ونظرت إلى زينب

بنت علي ( عليه السلام ) يومئذ فلم أرى خفرة والله انطق منها ، كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وقدأومأت إلى الناس أن اسكتوا ، فارتدت الأنفاس وهدأت الأجراس ، ثم قالت " الحمد لله والصلاة 

على أبي ( جدي ) محمد واله الطيبينالأخيار . أما بعد : يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر ! أتبكون ؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها منبعد قوة أنكاثا ، تتخذون إيمانكم دخلا بينكم . ألا وهل فيكم إلا 

الصلف النطف ، والصدر الشنف ؟ خوارون في اللقاء ، عاجزون عن الأعداء ،ناكثون للبيعة ، مضيعون للذمة ، فبئس ما قدت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب انتم خالدون . أتبكون ؟ أي والله فابكوا كثيرا ،واضحكوا قليلا ، فلقد

 فزتم بعارها وشنارها ، ولن تغسلوا دنسها عنكم أبدا ، فسليل خاتم الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ خيرتكم ،ومفزع نازلتكم ، وأمارة محجتكم ، ومدرجة حجتكم خذلتم ، وله قتلتم ؟ ألا أساء ما تزرون ، فتعسا ونكسا ، فلقد خاب

 السعي ، وتربت الأيدي، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة ، ويلكم أتدرون أي كبد لمحمد فريتم ، وأي دم له سفكتم ، وأي كريمة له أصبتم ؟ " لقد جئتم شيئا ادا ، تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق

 الأرض وتخر الجبال هدا " ، ولقد أتيتم بها خرقاء شوهاء طلاع الأرضوالسماء ، افعجبتم أن قطرت السماء دما ؟ ! ، ولعذاب الآخرة أخزى ، فلا يستخفنكم المهل ، فانه لا يحفزه البدار ، ولا يخاف عليه فوت الثار ،كلا أن ربك لبالمرصاد "

 ، ثم سكتت السيدة زينب ( عليها السلام ) بعد هذا الخطاب ، وسكت الناس لا يفقهون ما يعملون .

     أن المتمعن في هذه الخطبة التاريخية الكبيرة في مجتمع أهل الكوفة الذين كانوا بالأمس جندا مع الإمام علي بن أبي طالب ( عليهالسلام )  في أثناء خلافته ، تنم على جملة أمور أولها أنها تكشف لنا أن السيدة زينب ( عليها السلام ) 

بدأت للتو ثورة جديدة أو قل هياستكمالا للنهضة الحسينية المقدسة ، إذ لاشك أن السيدة زينب ( عليها السلام ) أرادت بتلك الخطبة إيقاظ الشعور الوجداني عند أهل الكوفة الذين كانوا يوما ما أتباعا لوالدها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ،

وقد نجحت في ذلك السيدة زينب ( عليها السلام ) نجاحا كبيرا بعدأن أخذت تؤنب أهل الكوفة لخذلانهم الإمام الحسين ( عليه السلام ) وامتناعهم عن تقديم يد العون والمساعدة وهو في اشد الحاجة لها ، فكانخطابها ذلك اشعر أهل الكوفة 

أنهم حقا قد ظلموا أخيها الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، مما دفعهم ذلك إلى المضي قدما للتكفير عن ذنوبهم ، وبدءوا بذلك القيام بالاشتراك بسلسلة طويلة من الثورات المتعاقبة على الدولة الأموية ، تلك الثورات التي كانت سببا رئيسا في

إضعاف الدولة الأموية ومن ثم سقوطها المبكر عام 132 هـ ، كثورة التوابين ، وثورة المختار بن أبي عبيد الثقفي ، وثورات الموالي ، وثورة زيد بن علي ، بل حتى الثورة العباسية التي كانت تنادي هي الأخرى المطالبة بدماء آل بيت 

الرسول (ص) والرضى إليهم .